الشهادة السودانية ما عادة الشهادة السودانية التي عرفناها

المتأمل لنتيجة الشهادة السودانية لهذا العام 2010م والأعوام التي سبقت يجد ولاية الخرطوم في موقع الصدارة من حيث الطلاب الأوائل والمدارس الأوائل، الشيء الذي جعل من الشهادة السودانية – الشهادة الخرطومية- ولنا أن نسأل هنا لماذا تراجع التعليم العام بالأقاليم ومن المسئول عن هذا التراجع؟؟
نقول بالحق لقد تراجع التعليم بالأقاليم بعد أن كانت الأقاليم تأخذ حظها في النجاح في امتحانات الشهادة السودانية، وكانت نسمة النجاح فيها شيء من العدل وكانت الأقاليم وقتها تحظى بما تحظى به الخرطوم الآن من معلمين أكفاء وقاعدة تعليمية متينة وبيئة تعليمية جيدة، أما الآن فحدث ولا حرج، ففي الأقاليم ماعاد التعليم هو التعليم، ونحن نقول أقاليم لأن الإقليم هو أشمل وأعم من الولاية، فولايتا نهر النيل والشمالية كانتا تمثلان اقليماً، وولايات كردفان كانت تمثل إقليماً، وولايات دارفور كانت تمثل إقليماً، والولايات الشرقية: كسلا والقضارف والبحر الأحمر كانت تمثل إقليماً، والنيلان الأبيض والأزرق والجزيرة كانت تمثل إقليماً وولايات بحر الغزال وبحر الجبل والاستوائية وأعالي النيل تمثل الإقليم الجنوبي.
وعندما نسأل عن تدني التعليم العام بهذه الأقاليم فنحن نذكر وإلى عهد قريب كان التعليم في هذه الاقاليم حاله غير الآن وكان الطلاب يجدون حظهم في الالتحاق بالجامعات الحكومية وفي جميع الكليات، إلا ان الصورة انقلبت الآن وأصبحت مدارس الأقاليم في ذيل القائمة والخرطوم في الصدارة ولابد أن تكون لهذه الصورة المقلوبة أسبابها ومسبباتها..!!
نقول أول تلك الأسباب هو ما أصاب التعليم العام من خصخصة، وأصبح التعليم الخاص هو الغالب في ولاية الخرطوم، إضافة إلى ما يسمى بالمدارس النموذجية التي تحظى ولاية الخرطوم بنصيب الأسد منها سواء كانت مدارس للبنين أو البنات، ولذلك أصبحت هذه المدارس سواء كانت خاصة أو نموذجية مثل الصدارة في المدارس ليس على مستوى الخرطوم فقط ولكن على مستوى كل السودان كما تمثل الاستحواذ لأكبر عدد من المقاعد المائة الأوائل، وهذا بالطبع لا يعني أن طلاب الخرطوم أكثر ذكاء أو أكثر قدرة على التحصيل من طلاب الأقاليم، ولكن الأسباب ترجع الى أن مدارس الخرطوم أصبحت المدارس الجاذبة لأميز المعلمين من تلك الأقاليم نتيجة العطاء الذي تمنحه هذه المدارس للمعلمين إضافة إلى اكتمال كل ما يحتاجه الطالب من وسائل تساعد على تحصيله لهذا كان لا بد أن تكون هذه المدارس في الصدارة، أما عن مدارس الأقاليم، فهناك نقص في الكتاب ونقص في المعلم المميز ونقص في الإجلاس ونقص في المعامل ونقص في البنية التعليمية الصحيحة ونقص في كل وسائل ووسائط الدراسة والتحصيل، إذن كيف يكون لطالب الاقاليم أن ينجح ويتصدر ومدارس الأقاليم تنافس مع مدارس الخرطوم مع كل ذلك النقص، ومن أجل ذلك بدأت الهجرة تتدافع نحو الخرطوم من الأقاليم ليس على مستوى الطلاب فقط بل أيضاً المعلمين وتجد كثيراً من طلاب الأقاليم يحضرون للخرطوم للجلوس للامتحان. ولو تم اجراء دراسة حقيقية بعدد المتفوقين في الشهادة السودانية لوجدناهم في معظمهم من الأقاليم جاءوا للامتحان من مدارس الخرطوم!!
حقيقة إن ما أصاب التعليم العام بالأقاليم يستحق وقفة من جميع المسئولين ومن أولئك الذين يهمهم أمر التعليم في بلادنا ولنا ان نعلم أن المتضررين أولاً وأخيراً هم أهل تلك الاقاليم الصامدين الصابرين..
لهذا وذاك فعلى جميع أهل الأقاليم دون استثناء وعلى رجال الأعمال منهم أن يدخلوا أيضاً تجربة التعليم الخاص بأقاليمهم كما أن عليهم أن يجعلوا في المدارس القائمة الآن مدارس نموذجية بحق وإذا ما فعل رجال الأعمال والمال ذلك بأقاليمهم فلا شك سوف نعيد التعليم بهذه الأقاليم سيرته الأولى وعندها سنسمع بتفوق الفاشر الثانوية ونيالا وام كدادة والجنينة والأبيض والدلنج وأم روابة ومدني والحصاحيصا ورفاعة والقطينة والحوش والمناقل وخشم القربة وحلفا الجديدة وبورتسودان وكسلا والقضارف وكوستي والكوة وربك وعطبرة والدامر وبربر وكريمة ومروي ودنقلا وعبري وكرمة ورمبيك وملكال والناصر وجوبا إضافة إلى المدارس التي تم اغتيالها عنوة وهي مدارس وادي سيدنا وحنتوب وخور طقت فقد كانت مدارس نموذجية قومية بحق وحقيقة.
سوف نظل نحلم بأن تعود هذه المدارس إلى سيرتها الأولى وتعود بالتالي العافية للتعليم العام بالأقاليم لأنها لا ترضى أن يظل طلاب الأقاليم وهم في معظمهم ينتمون إلى مجموعة الأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة متطلبات التعليم الخاص بالخرطوم، ولا نرضى أن يستحوذ غيرهم على معظم المقاعد في مدرجات الجامعات والتي طالها أيضاً القبول الخاص.
لذلك نكرر المناشدة لرجال الأعمال بأن لا يجعلوا من الخرطوم قبلة لاستثماراتهم في جميع المجالات بل عليهم الاتجاه إلى الأقاليم وهم في معظمهم ينحدرون من هذه الأقاليم وفي ذلك خدمة لأهلهم وذويهم في مجالات حيوية مثل التعليم والصحة وخلافه.
نقول إننا نعرف ما يصيب أقاليمنا من أهمال ونسيان كما أننا نعرف طلاب هذه الأقاليم فهم أبناء ترابلة وصغار مزارعين وأبناء عمال وموظفين ومجموعة كبيرة من المعاشيين، فهم لا قدرة لهم لإلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة والجامعات الخاصة التي ملأت شوارع الخرطوم.
نكرر القول بأن مشكلة التعليم العام بالأقاليم تتطلب من الجميع أن تتضافر جهودهم من أجل انقاذ ما يمكن إنقاذه وذلك من أجل أبنائهم الذين أصابهم الظلم والغبن نتيجة تدني المستوى الذي أصاب مدارسهم.
نسأل الله التوفيق فهو الهادي إلى سواء السبيل.
(منقول )

السؤال :هل توافق كاتب المقال فيما ذهب اليه ولماذا ؟
نريد رايكم