شرح قاموس ما إندثر من المفردات أو كاد الحلقة الرابعة

شرح قاموس ما إندثر من المفردات أو كاد 4

مقدمة:

بعد الفراغ من عنت ومشقة مشجرات الأنساب دعونا ننخرط في مواصلة ما إنقطع من شرح قاموس المفردات في جزئه الرابع:

القلاّبة:

هي آلة من السلك تصنع يدويا وعلى أيام صبانا كان خير من يجيد صناعتها المرحوم محمد بخيت عثمان محمد بخيت والاخ حسن بلة أطال الله في عمره وعلمت فيما بعد أن الأخوين عبدالله أحمد أفندي وعمر قاسم كانا من المتخصصين أيضا والكل أخد المهارة من عبدالحميد عبدالكريم (الحميدي), غير أن خير القلاّبات ما كان يستورد من مصر (القلاّبة المصرية) وكان سعرها في سوق ود مدني سبعة قروش للكبيرة وخمسة قروش (شلن) للصغيرة. والقلاّبة لا تستطيع أن تصيد أكثر من طائر واحد الاّ ان أخينا يوسف الحسن (كشا) كان يدّعي دوما أن قلابتة تصطاد (إتنين إتنين) لا أدري إن كان ذلك حظ طامح أم خيال جامح.

قلت أن القلاّبة تصنع من السلك في شكل نصف دائري ولديها مقبض متصل بنصف الدائرة السفلي ويؤلف هذا الجزء قاعدتها ويضاف إليها نصف دائرة بذات مقاس نصف دائرة القاعدة مربوط في (ياي) أي سلك حلزوني يحرك الجزء العلوي بسرعة للإنقضاض على الفريسة وهي عادة من العصافير وإن كنت محظوظا لإقتنصت قمرية (بليبة) أو ابو القلّوق, وأهم جزء وأكثرة حساسية زناد القلاّبة أو سمة ال ( (trigger وهو سلكة حادة الرأس دائرية المؤخرة مثبتة على مقبض القلاّبة وهذا الزناد هو الذي يثبت الجزء المتحرك بحيث تتخذ القلابّق شكلها الدائري أو البيضاوي عند نصبها وحساسية الزناد تكمن في كونة مربوط بالطعم وهو عادة عبارة عن حبة من الذرة (الفيتريتا) وهو غالب قوت أهل البلد غير ان الميسورين وأبناء الموظفين وارباب المعاشات (ناس محمد إبراهيم عبيد الله والنور بن وبدرالدين البشير وعمر الامين خالد) وغيرهم كانوا يشرّكون بالعيش القصّابي ذي الحبة الصفراء الكبيرة ,وهي وسط الفيتريتا كمثل بقرة سيدنا موسى صفراء فاااااااقع لونها تسر الناظرين وبالتالي ملفتة لشهية الفرائس ولذا كانوا أكثر حظاّ في (قبض الطير). فإذا لم يدقن الشخص وضع الزناد بحذاقة لأكلت الفريسة حبة العيش دون أن (تهبر) عليها القلاّبة وأن زادت حساسية الزناد بمعنى أنه وضع في طرف الخيط الذي يربط الطعم فهنالك إحتمال أن (تهبر) القلاّبة حتى قبل أن تقربها الفريسة. وبعد نصب القلاّبة بشكل جيد تدفن في الارض تحت (المألوفة) - وأحيانا ننطقها المعلوفة وهي غصن شوك نثبته على الأرض لإستقطاب الطيور – بحيث تظهر حبة العيش الطعم ومعها عدد آخر من الحبوب وما أن تتناول إحدى الطيور (أو الطيرتين في حالة أخونا يوسف الحسن) حبة الطعم إلاّ وتنقض عليها (أو عليهما) القلاّبة.

وفي صناعة القلاّبة يراعى أن يكون الياي ليس ليناً ولا حاميا والإثنان عيب فيها فإن كان لينا مرنا لم يتحرك الجزء العلوي بالسرعة المطلوبة وإن كان حاميا لقتل الطائر أو إجتث رأسة وكنا نأكله في الحالتين إذ ما كنا نراعي أو نكترث لجوانب الذبح الحلال فقط نقوم بفصل رأس الطائر عن جسدة. وكان أخونا الباهي (باهي الدين محمد علي يوسف) يقول عبارة عند قطع رأس الطائر ما فهمتها حتى اليوم وهي عبارة (لحم الطير ولم بياكلو) وسأساله يوما عن معنى تلك العبارة علّي واجدٌ فيها علما نافعا. وعملية فصل رأس الطائر من الأعمال الوحشية إذا ما قيست بموازين اليوم. وأكثر الاعمال قسوة وعدم إنسانية هي (التشليق) والتشليق هو أن تسلخ جلد جمجمة الطائر وتقلب الجلد لتغطي به أعين الطائر ثم تطلقه ليحلق من ألمه وعدم رؤيته ويصطدم بما يقف أمامه حائطا كان أو شوكا وكنا نتعقبه في مرح وسعادة وما كنا نعلم مدى الالم الذي تسببنا فيه له. وأسال الله لنفسي وغيري من الإخوان المغفرة والسماح لما إرتكبنا من فظائع في حق العصافير الوديعة. ولعل عقدة الذنب ما زالت تلاحقني حيث أصبحت مؤخراّ أجد لذة وسعادة في تربية العصافير والإعتناء بها علي مكفرٌ ذنوب صغري.

أم آبريش:

هذه أيضا من شراك الطير وكل منا يصنع (أم آبريشه) بنفسة وهي عبارة عن شرك مركب قاعدته من صفيح ( يعني قعر قيروانة أو غطاء علبة بوهية قديمة من دكان علوم أو صفحة كانون بالي ومصقّر يعني أية حديدة والسلام) نحدث عليه ثقوبا عدة بمسمار وكلما كثرت ثقوبها كانت أجود وزادت فرص إصطياد الطير بها. وأجود (الأم آبريشات) كانت من صناعة (مولى) فضل المولى رزق الله أبوكليوة أطال الله عمره ينافسه في ذلك اللواء مدني البدوي وعبدالعزيز ود التومة وممن حذق هذه الصنعة الأخ إدريس عبدالله علي صالح أطال الله أعمارهم جميعا.

ومن مستلزمات أم آبريش سبيب الحمير الذي ننتزعه من أذنابها, وعند الرشاش وأوائل فصل الخريف يتقلص سبيب أذناب حمير الحلة لأن (الشفّع) ينتزعون منه الكثير. إلاّ أن أفضل السبيب هو سبيب الحصين وما كان يحصل عليه الأّ المترفون الذين يزورون ود مدني ويقصدون دكان ود العطايا (يوسف العطايا) أمد الله في أيامه وبارك له فيها, حيث كانت ترابط بجانبه خيول (الكاروهات). وأذكر أننا كلفنا أحد الاخوان (دون ذكر للأسماء) وكان مسافرا لود مدني لقضاء بعض الحاجيات مع حبوبته, أن يحضر لنا سبيب حصان ولولعه بالطير وإصطياده وعندما راى الخيول (المسومة) ترابط أمام أعينه نسي ما جاء من أجله وانبري ينتزع من أذيال الخيول الكثير من السبيب وقام أحد العربجية بضربه صوتين على ظهره أحسب أن اثرهما ما زال باقيا. وجاء باكيا شاكيا لحبوبتة من الم السياط قابضا على يده ما إكتنز من ثروة السبيب الطويل جداً. وكانت فرحتنا كبيرة لأن أم آبريشاتنا ستكون مميزة بسبيب الخيول وفاخرنا بها أقراننا ممن يحصدون سبيب الحمير.

نقوم ببرم سبيبتين من (بتوع الحمير) أو سبيبة أو نصف سبيبة من (بتوع الحصن) ونشكلها في هيئة (زردة) اي عقدة مفتوحة تقبض على الطائر عندا يتهئأ للطيران أحيانا من راسه وأخرى من رجله أو جناحه. نقوم بربط هذه السبايب في ثقوب الصفيحة. ونصب ام آبريش سهل وسريع أذ ما عليك سوى دفنها بحيث تكون السبايب هي الظاهرة فقط ومن ثم تقوم بنثر حبوب الذرة حول السبايب. وأم آبريش أكثر رحمة على الطير من القلاّبات ومعروف عنها كثر الصيد إذ من الممكن أن تقبض على أكثر من خمس أو ست من الطيور مرة واحدة.

الشرك:

فكرته كأم آبريش والإختلاف فقط في القاعدة إذ أن قاعدة الشرك تكون خيط دبارة مثبت بمسمارين من الطرفين وإن لم نجد المسامير, تكون ضالتنا ويكون البديل هو شوك الهجليج الكبيرالأصفر الغلظ الحاد (والهجليج ليس القرية وإنما شجر اللالوب) ويمكن تشكيل الشرك في أية هيئة طوليا أو بزاوية غير أن التجارب أثبتت أن أفضل وضع للشرك هو هيئة المثلث وبذا يكون أكثر حظا في الإصطياد. وأهمية المسامسير وشوك الهجليج هي تثبيت السرك حتى لا تنتزعه الطير وتطير به.

الهرّب:

الهرّب عبارة عن حفرة تحفر في الارض الغرض منه إيقاع الفريسة داخلها ولا تستطيع الخروج منها. وكان أهلونا يستعملونه لمكافحة الحلاليف (جمع حلّوف وهو الخنزير البري) التي تكثر في الغابة وذلك لكون أن الحلوف اكبر آفات البطيخ فإن دخل على جرف بطيخ أهلك الزرع وأتلف المحصول, ولذا كان اهلنا يحفرون هذه الحفرة في الدرب الذي يدخل منه الحلاليف او المضرّين من الشفّع من أمثال العم عيسى حامد والأخ علي بلة أطال الله في عمريهما وبارك لهما فيها فقد كانا شقيين يعشقان أكل البطيخ وإتلاف محصوله وكل من رزع بطيخا إسترضى على وعيسى ليتفرق للعدو الاخر وهو الحلاليف. بعد حفر الحفرة بالمقاس المضبوط تغطي ببعض القنا او المغريب والكراتين وينثر عليها التراب لإخفائها وبالليل يمر عليها سرب الحلاليف ويقع أحدها وتفر الاخريات ويكون مصير الفريسة الموت المؤكد صباح الغد.

ومن الناحية السلبية كنا (في صغرنا بالطبع) نقوم بحفر الهرب على الطرقات وداخل الأحياء, ومما أذكر أن أحد أشقياء الفريق حفر هرّبا شاركت أنا في أخفائه وكانت ضحيته والدة ذلك الشقي حيث اصابها فكك dislocation في أكحل رجلها اليسرى. وكانت الطامة الكبري يوم أن حفرت أنا هربا في مكان قرب المكان الذي به منزل شقيقي بابكر محمد احمد صديق (الختري) وفضلت أنتظر الضحية وإذا بالفكي البدوي وحمردي عليهما رحمة الله قادمان من الهجليج علي حمير صهب, أفلت حمار الفكي البدوي بنحو عشرة سنتمترات من الهرّب ولعل آيات الله أنقذته, ووقع عليه حمار حمردي وسقط الشيخ أرضا فما كان مني إلا أن هربت بإتجاة بيتنا وبذا علما من المجرم. بحمد الله لم يصب عمي حمردي ولا حمارة جراء الواقعة فقط تعفرا بالتراب وأتيا شكياني إلى والدي وأخذت علقة لن أنساها وأنتظرا الغداء عندنا بعد أن أصرّ عليهما الوالد (ألف رحمة ونور على روحه الطاهرة السمحة) وقمت كالعادة بحمل الإبريق لأغسل لهما الأيدي وما إستطعت أن أملي عيني في عمي حمردي له الرحمة (وأثق أن قريبك سامحني يا كمال عوض الله).

الكجّامة:

فكرتها كالقلاّبة المشار إليها بعاليه لكنها مصنوعة من حديد صلب وتنصب للحيوانات الكواسر لها اسنان تتداخل في بعضها كأسنان التمساح وتربط بجنزير قوي يثبت على شجرة حتى لا يجرها ذلك الحيوان. فتحها ونصبها يقتضي شخصا مدربا أو عدة أشخاص لكونها تمثل خطورة إذا أغلقت فكيها وكذلك حالها إذا ما أريد فكها من الحيوان. وكانت تستخدم في الجروف للقبض على الحلاليف (كم مسكينة تلك الحلاليف)

السفروق:

يسمي أيضا المجداع (بضم الميم وتسكين الجيم) ويستخدمة الرعاة وهو عبارة عن غصن شجرة مائل أو معقوف يقوم الراعي يتشذيبه ليكون رفيعا على صفحتيه وطوله بين المتر أو ما زاد عنه قليلا ويقذفه الراعي وهو ممسك بطرفه الطويل وبإستطاعة السفروق الطيران المنخفض لمسافات طويلة ولهذا يستخدم في إصطياد الأرانب البرية.

الفرّة:

هي كالسفروق والفرق بينهما في الطول فهي اقصر يتراوح طولها بين خمسين إلى ستين سنتمترا وقد تزيد أو تنقص.

الجبادة والصريمة والرماي وأم كبك:

هذه من أدوات صيد الاسماك والجبادة معروفة وهي صغيرة وأن كانت كبيرة الحجم سميت الصريمة والأخيرة تستخدم في جذب الأسماك الكبيرة أو التماسيح إلى القارب أو البر وأحيانا تستخدم في إنتشال جثث الغرقي الذين تغطس جثثهم في قاع النهر قبل أن تطفو آخر المطاف. والصريمة تثبت في قناية قد تطول أو تقصر حسب الحاجة للإستخدام. والرمّاي عبارة عن خيط قوي تثبت علية عدة جبادات ويربط حجر على أحد أطرافة يسمى (التقّال) ووتد على الطرف الآخر لتثبيته. وأفضل الطعم كان ومازال الصارقيل والدودة (أم سويميت) التي تكثر في زرائب البقر والاخوين عبدالرحيم بابكر ومحجوب الامين (ود البيه) من المتخصصين في التنقيب عن هاتين الدودتين ولا أنفي عن نفسي تلك المهارة. وأم كبك هي شبكة كبيرة تمتد أحيانا بين ضفتي النهر وأحيانا إلى منتصف النهر ويثبت على طرفها مجموعة من قرع القدوقدو ليطفو ذلك الطرف والطرف الآخر يكون مثقّلا باثقال من رصاص لتكون الشبكة مشدودة داخل المياة وحصاد أم كبك وفير إذا ما توفر الصيد. أقول إن أفضل الأوقات لصيد السمك قبيل الصبح حتى الضحى وأفضل المواسم موسم الخريف وقت الدميرة.

ولكم أحبتي كل الود
وسنواصل في الشرح في حلقات أخرى.

تسلم يا وجدي وزان المنتدي بمقدمكم وإسهاماتكم ولك تقديري على مرورك ولك باقات الود.

تسلموا يا عمر الأمين ويا الزقل ولكما التحايا ومثلها لأسرتيكما.

ما قام به الأخ سعيد أمر مشروع طالما تراضى عليه الطرفان وإتفقا. غير أن تجربتنا في فريق قدّام كانت مختلفة, مآليفنا كانت فروع سدر أو طلح ننتزعها من أقرب زريبة أو قليبة شوك وكنا ننصبها بالقرب من نجاضة ود البيه أو نجاضة محمد العطايا (عليهما الرحمة والمغفرة) وكانت محطا للطير القادم من البلدات أو المتجه نحو الغابة للإرتواء من ماء التمتة أو حفر الولي, ولوفرة الطير بأنواعه - قحي وآبقير وسوسيو نصارى وبليب وأبو العلاليق- أخذت تلك المآليف تسترعي إنتباه هواة الطير وأخذوا في مزاحمتنا, وكانوا أسرع منّا عدواً وهرولة نحو الشراك (عند فرفرة العصافير) تحت المآليف وفي أغلب الأحيان هم الرابحون ولسنا نحن حيث ينتزعون ما تقبض عليه شراكنا ويضعوه في شراكهم قبل أن نصلهم, وكنا نلاحظ أن سبيب شراكنا مقطّع ومعلق علي رقاب الطير في أيديهم وما كان ثمة سبيل للإحتجاج ومن هؤلاء المتغولين- سامحهم الله - أحمد ود الانصاري والمرحوم حمزة الفاضل عليه ألف رحمة وعبدالله أحمد أفندي وعبدالله إبراهيم الأصم(مش أحسن ليكم سعيد كرميدي يا عمر الامين حتى وإن أخذ كل القحّي) أما نحن فقحّياتنا نراها في يد غيرنا ولا ننبت ببنت شفة. (يعني بإختصار كدة يا عمر) بارك الله لكم في سعيدكم ومن نعمه أنه لم يسلط عليكم أو يبتليكم بأصمنا وبأفندينا وأنصارينا وعايدابينا.

تركنا يوما أحمد الأنصاري لقضاء حاجة بمنزلهم أحسب أنه أرجع الدقيق للبيت من طاحونة التعاون وأمّن شقيقة الاصغر صديق شراكه وعندما ترائى أحمد من على البعد قبض شركه أبو العلوق وإختلط على صديق إسما (أبو العلوق وأم سيسي) وأخذ يصيح لأحمد القلابة قبضت أم سيسي ومن على البعد أصدر أحمد توجيهاته بإطلاق سراح أم سيسي وطار أبو العلوق (يا له من محظوظ) وكانت تلك الحادثة مثار تندر حتى وقت قريب.
أشكر لكما مروركما الجميل وتسلما يا الزقل ويا عمر الأمين