نقطة حبر – متابعة معلم في الذاكرة (2)

نقطة حبر – متابعة معلم في الذاكرةتحدثت في المقال السابق عن شيخ الطيب بصفة عامة وإن كنت قد حاولت إلقاء بعض الضوء علي بعض من جوانبه المشرقة ، لكنني بكل تأكيد قد فشلت في تناول شخصية هذا المعلم الفذ لما له من صفات وشمائل قَّل أن تجدها في إنسان آخر ، وعجزت عن سردها بمفردات ترقي لمقامه ولمقام المفردات اللغوية التي تعلمتها منه كنت أمني نفسي بأن أسمع صرير أقلام زملائي وأشاهد حروف وجُمل ومفردات تِخُطُها أقلامهم عن هذا الهرم الشامخ وكل واحد منا يتناوله من زاوية وما أكثر زوايا هذا المعلم لكي نطفي علي هذه اللوحة الحسية ألواناً وظلالاَ تسُرُّ الناظرين نحن وفي المرحلة الابتدائية بالصف الثالث كان شيخ الطيب هو معلم مادة الرياضيات التي يقشعِّر لها بدني كل ما أسمعها ، فقد إبتكر وسيلة تُسَهِل علينا حفظ جداول الضرب ، وهي القِلادة ( الملينة ) وهي عبارة عن عملةٍ قديمة مخرومة يربط بها خيط من ( حبل الدُبارة ) ويتم تداولها بين طلاب الصف داخل سور المدرسة وخارجه ، وكيفية التداول هو السؤال عن جدول ٍ من جداول الضرب ( من 1 – 12 ) كضرب عدد في عدد آخر ويتم توجيه السؤال لأحد الزملاء في الصف وفي ثوانٍ معدودة تكون الإجابة إما صواباً أو خطأ . فإن كانت الإجابة خاطئة فستوشح بالقلادة ( الميدالية ) علي صدرك .القلادة وما أدراك ما القلادة أسألوا عنها زملائي في الدفعة ( 22 ) ، أسألوا محمد الطيب دفع الله ( ود طيبة ) ، عبد الغني جماع و منصور خلف الله ؟! هذه القلادة حدَّت من حرية الحركة وظلت الشوارع شبه خالية وفرضت حظر تجول إجباري خاصة لتلاميذ الصف الثالث وقد علَّمت كثيرين منا الهروب و الجرى مثل الغزلان البرية خوفاً من العقاب في طابور الصباح وأمام فصول المدرسة الأربعة ( كَشِف حال ) ، وكان من تشاركهم القلادة الفراش يتمنون ألاّ تطلع شمِس باكر وللحديث بقية ،

لك التحية الخال أبوعبيدة والله مشتاقين سلام موصول للأسرة الكريمة

اخى ابوعبيدة لقد افيت وكفيت فأنت من اهل الوفاءولك قصب السبق لانك ماهر فى الكتابة كمهارتك فى كرة القدم يا (مسى) ذلك الزمان
فى احد الجمعيات الادبية اعطانا مسرحية كانت بطلتها اقبال بدوى وكان دور (الاخ معوض )فيها جملة واحده وهى فى نهاية المسرحيةوتقول الجملة (خذوا هؤلاء الى السجن )وقدكرر شيخ الطيب وشدد على معوض ان يؤدى دوره بثبات لانها خاتمة المسرحية واهل الدناقلة كلهم حضور
فاذا بالاخ معوض يعتلى الخشبة فى ذى ىشرطى ويقول (خذوا هذه هؤلاء الى السجن)وضحك الجميع على رجفة معوض والاضافه على دوره البسيط

الاخ ابوعبيده لك التحايا وللاولاد وانت دائمأ تتحفنا بعمودك المميز نقطة حبرالذي يحمل كل طيات الابداع0

أخى العزيز أبو محمود (أبوشيبة)
لك التحايا والاشواق أشكرك على مرورك على البوست وتحياتى لروعة واخوانها والتحايا للمدام أخباركم مقطوعة .

أخى ابوعثمان ـ محمد حسن
اشكرك على مرورك وحقيقة استاذنا الجليل الطيب قاسم يحتاج منا لوقفة تأنى يا ليتها تكون من تلاميذة الذين نهلوا العلم والادب منه وهنا أنت قد القيت وميض من ضوء على سيرتة المشبعة بالجمال.
وبينى وبينك بشكرك على تعليقك الظريف فإن كنت هكذا كما قلت فأنت زرياب زماننا ، متعك الله بالصحه ولك ألف تحية .

كما ذكرت فى الحلقة السابقه اضحت شوارع وميادين القرية خالية إلا من النساء وصغار السن فقد إختفى الكل خوفا من القلادة، فأصبحت حديث القرية والكل يعرف عنها، أذكر فى إحدى المرات طلب منى الصديق عصام حسن أن اذهب معه لفريق وراء كما كنا نطلق عليه فقلت له لماذا؟ فرد على الملينه معاى فضحكت كثيرا وقلت له طيب ماشى بيها وين قال لى ماشى للدانقور (بدرالدين مرحوم) ثم إصطحبنى معه فى هذه الرحلة المتعبة التى سوف تكلفنا كثيرا من المشاق بالعثور على الدانقور، فما أن وصلنا منزل زملينا حتى بادرتنا والدته(إديها العافية) اها دايرين شنو؟ فرد عصام لانه صاحب الوجعة دايرين الدانقور ! دايرين بيه شنو؟ فدارالحوار بين الخاله وعصام فى سيناريو طويل واخيرا ردت عليه بأن بدرالدين راقد جوه محمووووووم! طلب عصام مشاهدته فرفضت الخالة وقالت لينا امرقوا بره انتو معاكم الملين! فخرجنا ضاحكين وفكر عصام فى الذهاب لمنصور خلف الله فلم أذهب معه خوفا من جلدة أو نهره من السيدة عليها رحمة الله التى كانت تحب ولدها الوحيد وتخاف عليه.
منظومة القلادة هذه حفزت كثيرين منا بالاجتهاد والمثابرة والجد فى حفظ جدول الضرب لا لحاجة للتعلم والمنفعة المستقبلية وإنما خوفا من عقاب شيخ الطيب والتشهير على عكس أستاذنا الذى كان يحرص على خلق جيل متعلم متفهم للعملية التعليمية وقد كان له ما أراد ،كانت القلادة حديث القرية تتناولها النسوة فى حديثهن بين الجزارة والطاحونة والدكان وهن يعرفن أين بادت الملين؟(القلادة) فى الهجليج ، كردقيلى أم المغاربة!ولكن للتاريخ أقول أن الملين(القلادة) ادت غرضها المطلوب الى تاريخ اليوم أسال عبدالرحيم بلة وعبدالبديع مصطفى العينين عنقة وعقيق هل استفادوا من القلادة أم لا؟
حفظ الله استاذنا ومربينا الجليل الأستاذ الطيب قاسم وما زالت القلادة وسام فى صدورنا وفاءَ وعرفانا لهذا الهرم بل البصمة التاريخية فى مسيرة التعليم فى هذه القرية .

إنقضى العام الدراسى بنهاية شهر مارس عز الهجير وتم إنتقال الدفعة من الصف الثالث للصف الرابع إنتقل من إنتقل وتخلف من تخلف وتركنا تلك الميدالية(القلادة)تموج و تقبع على جدار الصف الثالث منتظرة القادمين والباقين فى بداية عام جديد، ومن إنتقل للصف الرابع تهلل وجهه بالفرح ،فالفرح فرحين فرحٌ ببلوغ الصف الرابع ومن ثم الانتقال الى المرحلة الوسطى وفرحٌ كبير بأن ودع ذاك الهاجس الذى اقلق المنام (القلادة) .
إنقضت العطلة الصيفية وتقابلنا جميعا وكلَ منا يحكى عن ذكرياته ومغامراته فى العطلة الصيفية وقدمنا بروحِ جديدة وإخترنا مقاعدنا للسمع والدراسة ،كلِ وخليله ، الكنبة الاولى والثانية وحتى الاخيرة ، وأول من دخل علينا الاستاذ القامة الطيب قاسم يهنئنا بالعام الجديد ويحثنا على الجد فى التحصيل للدخول للمرحلة الوسطى التى كانت من أصعب المراحل الدراسية نسبة لقلة المدارس الوسطى فى ذاك الوقت والتقسيم الجفرافى للمحافظات ومجالس القرى الذى أخل بالمنظومة التعليمية فى تلك الحقبه مما ضاعف من زيادة الفاقد التربوى والتعليمى ، ومن تخطى هذه المرحلة و كأنة التحق بجامعة الخرطوم .
بدأ العام الدراسى ومن حسن حظنا كان معلم مادة اللغة العربية هو الاستاذ الطيب قاسم متعه الله بالصحة والعافية.
ومع بداية الحصة الاولى من العام الدراسى الجديد أتوقف الى أن يرن جرس نهاية الحصة والحلقة القادمه ودمتم.