من طرف عبدالسلام حلاج السبت فبراير 28, 2009 6:41 pm
الناس بخير |
|
ا هذا اليأس؟ ولماذا كلُّ هذا القنوط؟ وكيف وصل بك سوء الظنِّ إلى هذا المستوى من الشك والرِّيبة في كل شيء؟.
لم أجدْ بُدَّاً من توجيه هذه الأسئلة بهذه الصورة المباشرة إلى ذلك الشاب الذي أمطرني بعبارات معتمة تدلُّ على أنَّه قد نفض يديه من الناس، فما عاد يثق في أحدٍ أبداً، ولا عاد يطمئن إلى أحدٍ أبداً. قال لي: السبب في كلِّ هذا ما لقيته في حياتي من ظلم الناس، وتجاهل الأهل, وخداع الأصدقاء, وإعراض أهل العلم والرَّأي، الناس يسعون إلى مصالحهم الشخصية فقط، ويرون أنفسهم فقط، ويحترمون الأقوياءَ الذين يحققون عن طريقهم مآربهم فقط، نعم. لقد أصبحت على يقين من هذا بعد أن سلكت عشرات الطرق، وطرقت عشرات الأبواب لأجد عملاً، فلم أجد عملاً، ولا أملاً، ولا عطفاً ولا حناناً، وبعد أنْ خدعني معظم أصدقائي وجفاني معظم أقربائي، فأصبحت لا أرى إلا خيبة الأمل أمامي، وخذلان الناس ورائي، فكيف يمكن - بعد هذا كله - أن أثق بأحدٍ من البشر.
الناس مخدوعون بدنياهم، وبمراكزهم وأموالهم، وعائلاتهم، ومظاهرهم الكاذبة، منصرفون عن المحتاج، والمسكين، والضعيف الذي لا يقوى على مجارات الأقوياء، أو ملاحقتهم، أنا أعلن بأسى من الناس إعلاناً لا يقبل التراجع أبداً.
قلت له: هذا الأسلوب الذي تحسم به الأمر بهذه الصورة القاطعة كان سبباً في ضياع كثير من الناس قبلك، وسيكون سبباً في ضياعك إن بقيت مصرَّاً على استخدامه، إنَّه قَتْلٌ للإنسان بسلاح اليأس الفتَّاك، وطعن لعزيمته بسهم الشكِّ المسموم. على رسلك أيُّها الأخ الكريم، فأنت تسلك طريق هلاكٍ تحقَّق، وتدمير عنيفٍ لطموحك وهمِّتك، أنت تشنق نفسك بحبال يأسك وقنوطك، وتنسى في غَمْرة شعورك المهزوم أن الدنيا بخير، وأنَّ في الناس خيراً كثيراً لا ينقطع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ثم أستأذنته في سؤاله عن طريقة حياته وأسلوب تعامله، وطلبت منه جواباً صريحاً، وشرحاً وافياً، وفرحت حين أجاب وشرح لأنني عرفت أسرار دائه، وأسباب يأسه وسوء ظنِّه.
إنَّه يتعامل مع كل من حوله بالرِّيبة والشك، ويستثير شكوك الآخرين بهذا الأسلوب فتنغلق دونه نفوسهم، وتقطِّب في وجهه وجوههم، وينصرفون عنه، يفعل ذلك وهو لا يدري أنَّ كلَّ ما يراه من سلبيَّات في تعامل الناس معه، إنما هو صدىً لسلبيَّات تعامله معهم.
قلت له: أنت الذي بدأت معركة سوء الظن, وجرَّدت سيوف الشكِّ، فلابد أن يُواجهك الناس بمثل سلاحك.
قال: ماذا أفعل؟ قلت: أعد ترتيب حياتك، واغسل قلبك بمراجعة نفسك، واجعل علاقتك بالله تعالى قرآناً وسنّةً وعبادةً وذكراً طريقك الأمثل الذي تسلكه دائماً، وابتسم لنفسك قبل أن تطلب من الناس أن يبتسموا لك، جرِّب أن تسلِّم على أهلك بثقة كاملةٍ فيهم. وأنت مبتسم، غرِّد بعبارات الحبِّ في منزل وبين أهلَك وأصدقائك، ضع في نفسك - من الآن - شعوراً بالاطمئنان أنك محب للخير، وأنك من أهل الخير، وأنك تحبُّ للناس ما تحبُّ لنفسك.
وحينما حاول فتح باب جدالٍ حول الموضوع، قلت له: لا مكان للجدال هنا، أسلك الطريق الذي يخرجك من الدائرة السوداء، فإنك سترى أنَّ الناس بخير، مهما كثر أهل الشر في هذه الأرض.
إشارة:
علِّم فؤادك أنْ يَظَلَّ
على الوفاءِ ولا يميلْ |
|